ما هو التعريف الصحيح الشامل للاضطراب؟
الاضطراب: هو الاختلاف([1]) والحديث المضطرب: هو الحديث الذي يختلف فيه الرواة اختلافات متساوية، أو متقاربة، أو متعارضة، أو متقاومة، أو متكافئة، ويتعذّر الجمع بين هذه الوجوه، أو بين هذين الوجهين([2]).
فالاضطراب الموجب للإطراح، هو اختلاف متكافئ، مع تعذر الجمع، وكلمة متكافئ هنا، معناها أن الاختلاف متقارب، ومتقاوم أن المختلفين في رتبة واحدة في الجملة، لا تستطيع أن ترجح أحدهما على الآخر، ويتعذر الجمع كأن يكون أحد شيخي المختلف عليه ثقة، والآخر ضعيفاً، أمّا إذا كان المختلَف عليه مكثراً رحّالاً، فيحمل على الوجهين[3].
وبعض العلماء يسمي أي اختلاف اضطراباً، حتى قال بعضهم: حديث صحيح مضطرب، بمعنى: حديث صحيح فيه اختلاف لا يضر[4]، والاضطراب أغمض وأدق من الشذوذ.
فيسهل على الطالب أن يحكم على الحديث بالشذوذ، ويصعب عليه أن يحكم على الحديث بالاضطراب؛ لأنَّ الحكم بالتكافؤ وتعذر الجمع فيه غموض، ولا يقدر عليه إلا الحفاظ أهل العلم الراسخون في هذا الشأن، والله أعلم.
[1])) المضطرِب: بكسر الراء اسم فاعل من الاضطراب، وهو اختلال الأمر وفساد نظامه وأصله اضطرب الموج لكثرة حركته وضرب بعضه بعضاًن انظر حاشية «توضيح الأفكار» (2/34).
([2]) المضطرب «اصطلاحاً» هو: الحديث الذي يروي على أوجه مختلفة متساوية ولا مرجُح بينها ولا يمكن الجمع، انظر «علوم الحديث» (ص:93-94) و«التبصرة والتذكرة» (1/113).
([3]) قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في «النكت» (2/782-783).
وأمّا النوع الرابع: وهو الاختلاف في السند فلا يخلو إمّا أن يكون الرجلان ثقتين أم لا، فإن كانا ثقتين، فلا يضر الاختلاف عند الأكثر لقيام الحجة بكل منهما، فكيفما دار الإسناد كان عن ثقة وربّما احتمل أن يكون الراوي سمعه منهما جميعاً، وقد وجد ذلك في كثير من الحديث، لكن ذلك يقوي حيث يكون الراوي ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق.
ومن أمثلة ذلك: حديث أبي هريرة في المهجر إلى الجمعة (رواه يونس ومعمر، وابن أبي ذئب، عن الزهري عن الأغر).
ورواه ابن عيينة عن الزهري عن سعيد.
ورواه يزيد بن الهاد عن الزهري، عن الأغر، وأبي سلمة، وسعيد، كلّهم عن أبي هريرة – رضي الله عنه -.
فتبين صحة كل الأقوال فإن الزهري كان ينشط تارة، فيذكر جميع شيوخه وتارة يقتصر على بعضهم، ثم ذكر الحافظ – رحمه الله – مثالاً آخر.
أقول: ومن الأمثلة – أيضاً – على ذلك ما سبق في التعليق على السؤال رقم (2)، والله أعلم.
([4]) أقول: وقد عرف هذا عن الإمام الترمذي – رحمه الله تعالى – فقد يطلق الاضطراب، فيقول: «هذا حديث مضطرب» للحديث الذي اختلف رواته مع وجود المرجّح بين الراويات، أو إمكان الجمع فيحكم على الحديث بالاضطراب، ثم يبين رجحان بعض وجوهه، وانظر بعض الأمثلة على ذلك في كتاب الموازنة لنور الدين عتر (ص:186-187)، وهذا النوع لا يأخذ حكم الاضطراب الموجب للاطراح فقد قال ابن الصلاح – رحمه الله – في «مقدمته» (ص:94): أمّا إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ وأكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه – حينئذ – وصف المضطرب، ولا له حكمه». اهـ.