السلام عليكم
التربية
تساهم بشكل كبير في تكوين شخصية الفرد ورسم معالمها. فما من أحد يولد لصاً
أو محتالاً، كما أنه لا أحد يولد عالماً أو تقياً، فالتربية الأولى هي
الميزان للإنسان. فكم من قصص واقعية نجد فيها الخلل السلوكي لجانب
التربية.. فتارة يسرق نعل رجل ست مرات أمام الحرم النبوي، حتى إنه اضطر إلى
وضع نعل احتياطي في سيارته حتى لا يعود إلى بيته حافياً؟!! وأخرى في امرأة
كانت تطوف بالكعبة مطمئنة البال شفافة النفس، وبعد الطواف وجدت حقيبتها
خاوية على عروشها تشكو إلى الله انتهاك الحرمات في ساحة الحرم وأمام الكعبة
المشرفة.
فالقاسم
المشترك في القضيتين السابقتين واحد وهو غياب الشعور بمراقبة الله.. فلقد
اكتفى ذلك المسكين بتأمين نفسه وقت ارتكاب جريمته من أعين الناس، ونسي عين
الرقيب الذي لا تخفى عليه خافية.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
وليس
السارق فقط هو الذي ينسى تلك الرقابة، بل ننساها نحن أيضاً حين نغتاب أو
نهمز أو نلمز أو نسيء الظن... وكذلك حين نصلي تلك الصلوات الخالية من
الروح، والتي لا نستشعر فيها نظر الله إلينا... وهناك فرق كبير بين أداء
الصلاة وإقامة الصلاة.. ويجب أن نسأل قبل محاسبة الغير: هل ربينا أولادنا
على الإيمان بالله الرقيب؟! وأركز على الإيمان بالرقيب.. ولا أقول المعرفة
بالله الرقيب، لأنه شتان بين الأمرين، فكلنا يعلم أن الله سبحانه رقيب، وأن
من أسمائه "الرقيب"، ومع ذلك نجعل الله أهون الناظرين إلينا... أما لو
آمنا بالله الرقيب فإن هذا الإيمان من شأنه أن ينعكس أثره على الجوارح
فتستشعر رقابة الله عليها في كل ما تفعل أو تترك، وأن الله سبحانه يطلع على
أخفى الخفايا
{ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } [ طه : 7 ] .
فهلم
بنا نبدأ رحلة الإيمان بالله الرقيب مع أبنائنا، حتى لا يأتي اليوم الذي
يقولون فيه حاكموا أهلنا قبل أن تحاكمونا. وأنا على يقين بأننا لو آمنا
بهذه الصفة لاختفت كل المعاصي والمخالفات على وجه الأرض.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نبدأ الرحلة؟!
الرحلة مقسمة إلى ثلاثة أشواط:
الشوط
الأول يتمثل في شرح معنى الرقيب بطريقة تناسب كل فئة عمرية منهم، فنعلمهم
أن الله قريب من عباده محيط بهم جميعاً ولا يخفى عليه شيء من أمرهم، وأنه
يعلم حتى ما يفكر به الإنسان وما ينوي أن يفعله.
وهذا
الشوط ينطبق على قصة تلك الأم التي أوصت ولدها بألا يكذب مهما حدث له،
فكانت هي وولدها سبباً في توبة عصابة كاملة من قطاع الطرق، حيث انشرح صدر
زعيمها بسبب كلام الغلام معه وبعد أن استشعر رقابة الله عليه.
وأيضاً
قصة الشيخ الذي طلب من تلاميذه أن يذبح كل منهم طائراً في مكان لا يراه
فيه أحد.. وإذ بواحد منهم يفطن إلى أن ذلك محال، فرجع بطائره، وأصبح منذ
ذلك الحين يجلس في مجالس الشيوخ والعلماء لفطنته وذكائه.
وكون الله رقيباً يستدعي كونه قريباً سميعاً بصيراً علمياً خبيراً محيطاً شهيداً، فكل تلك الأسماء تندرج تحت صفة الرقيب أيضاً.
بالإضافة
إلى استخدام جانب الرواية وحكاية القصص لتأصيل تلك الصفة في النشء، سواء
كانت تخص الأنبياء أو الرسل أو الصالحين أو العلماء، إلى جانب قصص الواقع،
الأمر الذي يوصلنا إلى نتيجة رائعة معهم حيث نجعلهم يربطون أحداث الحياة
بالله الرقيب، فيزدادون مراقبة لله في كل تصرفاتهم.
أما
الشوط الثاني فيتمثل في تعظيم شعائر الله.. أي أنه بما أن الله سبحانه
يرانا ويطلع علينا، فإنه يجب أن نستحي من أن نؤدي عبادته بشكل لا يليق
بعظمته وجلاله، كما كانت السيدة عائشة تعطر الدينار، وتقول إنه يقع في يد
الله... فإذا أراد الإنسان تقديم هدية إلى أحد الملوك فكيف ستكون؟!
وكم سيكون ثمنها؟ فما بالك إذا كانت الهدية لملك الملوك جل جلاله؟
بينما الشوط الثالث يتمثل في التطبيقات على الإيمان بتلك الصفة، فهناك آيات لا حصر لها تدل على هذه الصفة { ألم يعلم بأن الله يرى } [ العلق : 14 ] ، { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم.. } [ النساء:108]، { أيحسب أن لم يره أحد } [ البلد : 7 ] ،
الأمر الذي يزيد المعرفة بالله الرقيب، وبالتالي يحسن التعامل معه سبحانه،
"فالمعاملة على قدر المعرفة"، إلى جانب تتبع المواقف التي تخدم هذا الأمر،
بالإضافة إلى التعود على مناجاة الله القريب في كل الأمور، وبث الهموم
إليه، وتحري الإخلاص في الأعمال، والمبادرة بالاستغفار من أي ذنب صغر أو
كبر، اختفى أو ظهر، كذلك محاسبة النفس أولاً بأول، ودعاء الله بأسمائه
الواردة في الموضوع، وتعليق لافتة مكتوب عليها: "الله معي الله ناظر إليَّ الله مطلع عليَّ" .