أمتنا.. المتغير الداخلي.. والرؤية الخارجية
يوسف الكويليت
انتهى عصر الفصل بين القارات والكيانات الصغيرة والكبيرة، فقد سهلت
الاتصالات والمواصلات عبور الأموال ومختلف النشاطات من قارة لأخرى، وهو ما
أعطى العالم ما يشبه التأثر والتأثير في أي عمل يتصل بالأمن مثلما حدث مع
القاعدة، أو الاقتصاد الذي ضرب المؤسسات والبنوك وكلّ ما يتعلق بنشاطهما..
منطقتنا العربية التي تمازجت قضاياها مع العالم، جاء إدراك أن البلد
الكبير والصغير والمتوسط يؤثر كلّ منها في أي وضع مستجد، والدليل أن لبنان
والبحرين شكّلتا معياراً لأزماتهما وتداخلهما مع دول تفصلها عنهما حدودٌ
طويلة، ولكنها متصلة بظروفهما وأوضاعهما، وبالتالي فقد شكّل الاستقرار
النسبي هدوءاً عاماً لكن تجدد الأحداث في تونس أثر سريعاً في المشرق
والمغرب معاً، وقبل ذلك كان احتلال العراق مشكلة إقليمية لإيران، وأزمة أمن
لدول الخليج، وكذلك الوضع الراهن في اليمن، فأكثر من يضعه في جدول
أولوياته دول مجلس التعاون الخليجي، لأن الرابط الأمني، لا يقوم فقط على
ظروف عابرة بل لابد أن تكتمل عناصره باستقرار تام، وبدعم اقتصادي وسياسي
خليجي..
كذلك المحيط الشامي، فإذا استثنينا إسرائيل من أنها مخلوق جاء ليرسخ
عداوات عنصرية وتاريخية، فإن عواصف سورية لا تنحصر في حدودها المتشابكة مع
تركيا اللاعب الأكبر، ولا مع لبنان المستريب على مستوى المؤيدين والمعارضين
لما يجري هناك، لأن مثل هذا الانقسام الداخلي يؤسس على رؤى ترى في سورية
رابطاً عضوياً في الأمن والاستقرار اللبناني، كذلك الأمر في الدول الأخرى
المتشابكة التي تراقب لكنها تنظر بشؤم لما يجري..
المجتمع الدولي وخاصة ممن يصعّدون الأزمات في المنطقة العربية، بدأوا
إعادة النظر في مسلّمات السياسات القديمة، فلا السوفيات يملكون القواعد
البحرية والجوية هنا، أو حكومات يسارية تدين بالولاء والتحالف لتلك
المنظومة، ولا هناك نظم تعادي الغرب بشكل آخر، في نفس الوقت لم يعد التدخل
العسكري مهمة سهلة، ولا القوة الناعمة التي تجعل من الضغط الاقتصادي بديلاً
عن العسكري، وبمجيء الأحداث الأخيرة، تغيرت النظرات، وتعمقت القناعات بأن
أمة عربية تنتفض على ماضيها بأشكاله الدكتاتورية والاقتصادية، طالما صوت
المواطن صار أقوى من خطب الزعيم ولعلعة أجهزة إعلامه، وتبعاً لهذا النمط
الجديد، لا نستطيع الحكم على اختلاف جذري في التعامل الدولي، إلا إذا كانت
الدول الثورية تملك رؤية متطورة لمشروع يتأسس على نظام حكم ديمقراطي يحتكم
إلى القوانين والدساتير، ويطرح استراتيجية تنموية طويلة بدون خضوع لسلب
القرار المستقل، أو انتقاصه..
فالمنطقة جاذبة استراتيجياً بحكم توسطها بين قارات العالم، ومغرية
بإمكاناتها المادية والبشرية وأسواقها الكبيرة، والسباق حولها سيكون كبيراً
لكن من يستطيع استغلال الفرص؟!
فآسيا بأقطابها وتنانينها تنظر إلى المنطقة باعتبارها امتداداً
اقتصادياً وتاريخياً، وأوروبا وأمريكا لن تكونا مؤثرتين بضغوط الماضي إذاً
فالمنافسات متعددة، وكذلك الخيارات، ويبقى العمل مختلفاً إذ إن
استثماراتهما وتعاملاتهما المختلفة لابد أن تأخذ مفهوماً جديداً لا مقاييس
ومعايير الحرب الباردة..